65
الشـافي الأعظـم

مرقس 1،2

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

كما يعرف معظمكم، إننا في رحلتنا في الكتاب المقدس، وصلنا إلى كتاب الإنجيل، وهو الكتاب الذي ندرس فيه الآن. وهو الكتاب المقدس الذي يخبرنا بالخبر السار عن المسيَّا (أي المسيح)، الذي أتى إلى العالم ليحرِّر نسل آدم من سلطان الشيطان والخطية.
وفي حلقتنا السابقة، قرأنا أن يسوع المسيَّا بدأ يزور القرى الصغيرة التي حوله، ويعلِّم الجموع، ويشفي كل مرض فيهم. وأصبح اسمه ذائع الصيت في كل الأرض المحيطة.

واليوم، نستمر في قراءة قصة يسوع المسيَّا؛ لنرى كيف كانت تعاليمه وأعماله مختلفة كل الأختلاف عن كل من سبقوه. فيسوع لم يكن له زوجة، ولا بيت، ولا أي ثروة دنيوية. كان فريداً بين بني البشر. فلم يكن يهمُّه إلا أمرٌ واحدٌ، ألا وهو أن يعمل مشيئة الذي أرسله؛ لينجز العمل الذي أعطاه له الله ليعمله.

وفي إنجيل مرقس، والأصحاح الأول، يقول الكتاب:
‘‘ثم دخل (يسوع وتلاميذه) كفر ناحوم، وللوقت دخل المجمع في السبت، وصار يعلِّم. فبُهِتوا من تعليمه، لأنه كان يعلِّمهم كمن له سلطانٌ، وليس كالكتبة.
‘‘وكان في مجمعهم رجلٌ به روح نجس. فصرخ قائلاً: آه، ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا. أنا أعرفك من أنت، قدوس الله! فانتهره يسوع قائلاً: اخرس، واخرج منه! فصرعه الروح النجس، وصاح بصوتٍ عظيم، وخرج منه. فتحيَّروا كلهم، حتى سأل بعضهم بعضاً قائلين: ما هذا؟ ما هو هذا التعليم الجديد؟ لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة، فتطيعه. فخرج خبره للوقت في كل الكورة المحيطة بالجليل.’’
(مر 21:1-28)

كانت تعاليم يسوع مختلفة كل الاختلاف عن تعاليم معلِّمي الناموس من الكتبة والفريسيين. فكل من كان يسمع يسوع وهو يعلم في المجامع (التي هي أماكن العبادة وتعليم الكتب المقدسة عند اليهود)، كان يتعجَّب من كلامه؛ لأنه كان يعلمهم بسلطان ـ الشيء الذي لم يكن معلمو الناموس يفعلونه.

وأنتم تعلمون عن معلمي الناموس ..!
لقد كان مفروضاً عليهم أن يفسروا التوراة، والمزامير، وكتب الأنبياء الأخرى. غير أن معظمهم لم يكن قادراً على تفسير كتب الأنبياء التفسير الصحيح؛ وذلك، لأنهم لم يفهموها في الواقع! لقد عرفوا كل ما يخص واجباتهم الدينية وتقاليد آبائهم، ولكنهم لم يعرفوا كلمة الله. هؤلاء القادة الدينيين كانوا يكرمون الله بشفاهم فقط، ولكنهم لم يحبُّوا كلمته!
ومن ثمَّ، فعندما دخل يسوع مجمعهم، وبدأ يفسِّر الكتب بسلطان ووضوح ـ وهو الذي لم يدرس أبداً في مدارس التعليم الديني التي تتبعهم ـ سبَّب لهم هذا حرجاً شديداً. ومما زاد من إحراجهم وإذلالهم، أن المتعبِّدين في المجمع كانوا في غاية العجب من أقوال يسوع وأعماله، وكانوا يسألون كل منهم الآخر قائلين:
‘‘من هذا؟ ومن أين أتى بهذا التعليم الجديد؟ وكيف يستطيع أن يعلِّم بهذا السلطان؟ إنه يأمر حتى الأرواح الشريرة، فتطيعه! لم نرَ من قبل مثل هذا! لم يعلِّمنا أحد قط مثل هذا الرجل! لم يعمل أحد قط هذه الأعمال مثله!’’

حقاً، فمنذ اليوم الذي أخطأ فيه آدم وحواء، وحتى اليوم الذي بدأ فيه يسوع يصنع معجزاته، لم يرَ الناس أحداً بمثل هذه القوة أبداً. فهم يرون الآن شخصاً لا ينطق إلا بكلمة واحدة، فيهرب على أثرها إبليس والشياطين فوراً من أمامه! إن المسيَّا وحده، الذي أتى من السماء، هو الذي يستطيع أن يفعل ذلك!
هل سمعتم ما قاله الرجل الذي به الروح النجس، ليسوع؟ لقد صرخ قائلاً: ‘‘ما لنا ولك يا يسوع الناصري. أتيت لتهلكنا. أنا أعرفك من أنت، قدوس الله!’’
لقد عرف الشياطين تمام المعرفة، من أين أتى يسوع، ومن هو؟ غير أن معظم الناس لم يعرفوا من كان يسوع في الحقيقة. كان إبليس وملائكته الأشرار يخافون خوفاً عظيماً من الرب يسوع؛ لأنهم كانوا يعرفون بكل تأكيد أنه هو الكلمة الذي خلق به الله السموات والأرض في البدء. كانوا يعرفون أن يسوع هو القدوس، الذي له كل السلطان أن يطرحهم في النار الأبدية! ولهذا، .. كانوا يرتعدون خوفاً من اسم يسوع!

والآن، دعونا نستمر في قراءة الأصحاح الأول. يقول الكتاب:
‘‘ولما خرجوا من المجمع، جاءوا للوقت إلى بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنا. وكانت حماة سمعان مضطجعة محمومة. فللوقت أخبروه عنها. فتقدَّم وأقامها ماسكاً بيدها، فتركَتها الحمى حالاً، وصارت تخدمهم.
‘‘ولما صار المساء، إذ غربت الشمس، قدَّموا إليه جميع السقماء والمجانين. وكانت المدينة كلها مجتمعة على الباب. فشفى كثيرين كانوا مرضى بأمراض مختلفة، وأخرج شياطين كثيرة، ولم يدَع الشياطين يتكلَّمون، لأنهم عرفوه.
‘‘وفي الصبح باكراً جداً، قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء، وكان يصلي هناك. فتبعه سمعان والذين معه. ولما وجدوه، قالوا له: إن الجميع يطلبونك. فقال لهم: لنذهب إلى القرى المجاورة لأكرز هناك أيضاً، لأني لهذا خرجت. فكان يكرز في مجامعهم في كل الجليل، ويخرج الشياطين.
‘‘فأتى إليه أبرص، يطلب إليه جاثياً وقائلاً له: إن أردت، تقدر أن تطهِّرني. فتحنَّن يسوع ومدَّ يده ولمسه، وقال له: أريد، فاطهر. فللوقت وهو يتكلَّم، ذهب عنه البرص، وطهر!’’
(مر 29:1-42)

وهكذا، شفى يسوع الناس من مختلف أنواع الأمراض، مظهراً عطفه على نسل آدم؛ لانهم كانوا تعابى وضعفاء، مثل غنم لا راعي لها. ولكن، كان هناك سببٌ آخر للمعجزات الكثيرة العظيمة التي صنعها يسوع. لقد شفى يسوع كل أنواع الأمراض، وطرد الشياطين؛ ليثبت لنسل آدم أنه هو المسيَّا، الذي سبق الله ووعد به على فم أنبيائه منذ زمن طويل.
فعلى سبيل المثال، قرأنا سابقاً أن النبي إشعياء كتب قبل ميلاد المسيَّا بمئات من السنين، أنه عندما يأتي المسيَّا: ‘‘حينئذٍ، تتفتح عيون العُمي، وآذان الصم تتفتح. حينئذٍ، يقفز الأعرج كالإيَّل، ويترنَّم لسان الأخرس.’’ (إش 5:35، 6)
وبهذه الكلمات، كان النبي إشعياء يعلن أن المسيَّا سيصنع معجزات، لم يصنعها أحدٌ من قبل. ولقد قرأنا سابقاً، كيف أعطى الله القدرة لموسى وإيليَّا أن يصنعا معجزات عظيمة. ولكن المعجزات التي صنعها هذان النبيَّان، كانت قليلةً جداً بالمقارنة بتلك التي صنعها المسيَّا. أيضاً، لم يكن لموسى أو إيليَّا أي قوة في ذاتهما أن يصنعا المعجزات. غير أن يسوع المسيَّا كانت تتدفق منه قوة الله؛ لأنه هو نفسه قوة الله ذاتها!

وإذ نستمر في قراءتنا في إنجيل مرقس، والأصحاح الثاني، يقول الكتاب:
‘‘ثم دخل كفر ناحوم بعد أيام، فسُمِع أنه في بيت. وللوقت اجتمع كثيرون، حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب. فكان يخاطبهم بالكلمة. وجاءوا إليه مقدِّمين مفلوجاً يحمله أربعة. وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع، كشفوا السقف حيث كان، وبعد ما نقبوه، دلُّوا السرير الذي كان المفلوج مضطجعاً عليه. فلما رأي يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: يا بنيَّ، مغفورة لك خطاياك.
‘‘وكان قوم من الكتبة هناك جالسين يفكِّرون في قلوبهم: لماذا يتكلَّم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر الخطايا، إلا الله وحده؟ فللوقت شعر يسوع بروحه أنهم يفكرون هكذا في أنفسهم. فقال لهم: لماذا تفكِّرون بهذا في قلوبكم؟ أيُّما أيسر، أن يُقال للمفلوج: مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم واحمل سريرك وامشِ؟ ولكن لكي تعلموا أنَّ لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا، قال للمفلوج: لك أقول قم، واحمل سريرك واذهب إلى بيتك. فقام للوقت، وحمل السرير، وخرج قدَّام الكل، حتى بُهِت الجميع ومجَّدوا الله قائلين: ما رأينا مثل هذا قط.’’
(مر 1:2-12)

في هذه القصَّة، نرى أن قوة يسوع لم تكن قاصرة على شفاء الجسد المريض، بل كان ليسوع القوة أيضاً على شفاء القلب الخاطئ! يسوع، الذي هو الطبيب والشافي الأعظم، كان يعرف أن أهم مشاكل هذا الأعرج لم تكن هي رجليه المشلولتين، بل الخطية التي كانت في قلبه. ولهذا، قال يسوع أولاً له: ‘‘يا بُنيّ، مغفورةٌ لك خطاياك!’’

ولكن، ماذا كان معلِّمو الناموس يفكَّرون في قلوبهم عندما قال يسوع ذلك الكلام للأعرج؟ .. كانوا يقولون لأنفسهم: ‘‘إن يسوع يجدِّف! فلا أحد يستطيع أن يغفر الخطايا إلا الله وحده!’’
وكانت أفكارهم صحيحةً جزئياً، وخطأً جزئياً. فإنه صحيح أن لا أحد يستطيع أن يغفر الخطايا إلا الله وحده. غير أنه عندما فكَّر معلِّمو الناموس أن يسوع يجدِّف على الله، كانوا مخطئين؛ لأنهم لم يفهموا أن يسوع كان هو الوسيط الذي أرسله الله كي يبرِّر الخطاة. كان يسوع كلمة الله؛ وهكذا، فعندما قال يسوع: ‘‘مغفورة لك خطاياك!’’، كان الله ذاته هو الذي يقول: ‘‘مغفورة لك خطاياك!’’
كان الرب يسوع هو صوت الله على الأرض! وليس هذا وحسب، بل كان أيضاً الشخص الذي وُلِد؛ لكي يبذل حياته كالذبيحة الكاملة التي ترفع الخطية للأبد.
فكما يمنح الأب ابنه السلطة أن يعمل بالنيابة عن الأب، ويتكلَّم أيضاً بالنيابة عنه، هكذا أيضاً أعطى الله يسوع السلطة أن يغفر الخطايا. نعم، إن غفران الخطايا يُوجد فقط في الرب يسوع. .. ولكن معلمو الناموس لم يصدِّقوا هذا!!

وحيث أن وقتنا قد شارف على الانتهاء، دعونا نستمر في قراءة بعض الأعداد التي تلي هذه القصة. يقول الكتاب:
‘‘وفيما يسوع مجتازٌ من هناك (أي من المكان الذي شفى فيه الأعرج)، رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية، اسمه متى. فقال له: اتبعني. فقام وتبعه.’’ (مت 9:9)
‘‘وفيما هو متَّكئ في بيت متَّى، كان كثيرون من العشارين والخطاة يتَّكئون مع يسوع وتلاميذه، لأنهم كانوا كثيرين، وتبعوه. وأما الكتبة والفريسيين، فلمَّا رأوه يأكل مع العشارين والخطاة، قالوا لتلاميذه: ما باله يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة؟ فلما سمع يسوع قال لهم: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب، بل المرضى. لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاةً إلى التوبة.’’
(مر 15:2-17)

بهذه الكلمات، كان يسوع الطبيب الأعظم، يريد أن يوضِّح لمعلِّمي الناموس أنهم مرضى في نظر الله؛ لأنهم خطاة. ولكن أولئك القادة الدينيين لم يدركوا خطيتهم. بل في الواقع، كانوا ينتقدون يسوع؛ لأنه كان يأكل مع العشارين، ومع أولئك المعروفين أنهم خطاة. إلا أن تواجده مع الخطاة، وشفاءه لهم من خطيتهم، كان السببُ عينُه الذي من أجله قد وُلِد..!

ولكن ماذا عنا نحن أعزائي المستمعين؟
.. هل ندرك أننا قد وُلِدنا بمرض مستعصٍ اسمه الخطية؟
.. هل ندرك أن الخطية التي في داخلنا هي السبب الذي من أجله لابد أن نموت، ونأتي إلى دينونة الله القدُّوس؟
مجداً لله ..! فهناك من يستطيع أن يشفينا من الخطية التي في قلوبنا! هل تعلم من هو هذا الشخص؟ نعم، إنه يسوع المسيَّا، يسوع المسيح، الذي بلا خطية، والذي جاء إلى العالم لكي يخلّص نسل آدم من الخطية. ولكن، لكي يستطيع الرب يسوع أن يشفي قلوبنا من الخطية، لابد أن ندرك أولاً أننا مرضى بالخطية. فإن الذين يدركون أنهم مرضى، هم فقط الذين يذهبون إلى الطبيب. وبالمثل، فإن الذين يدركون أنهم خطاة، هم فقط الذين يتحوَّلون إلى يسوع مخلِّص الخطاة. فيسوع لم يأتِ من أجل أولئك الذين يتخيلون أنهم أبرار، بل لأجل الذين يدركون أنهم خطاة. ولهذا، قال لمعلِّمي الناموس (أي الكتبة):
‘‘لا يحتاج الأصحَّاء إلى طبيب، بل المرضى. لم آتِ لأدعو أبراراً بل خطاة إلى التوبة.’’



أصدقائي المستمعين ..
لقد انتهى وقتنا، ولابد وأن نتوقف هنا اليوم. وفي حلقتنا القادمة إن شاء الله، سنستمر في قراءة الإنجيل، لنتعرَّض إلى بعض الكلمات العجيبة والعميقة التي خرجت من فم شافي الخطاة.

وليبارككم الله، وأنتم تتأملون في كلمات الرب يسوع لمعلمي الناموس، إذ يقول:
‘‘لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب .. بل المرضى! ..
لم آتِ لأدعو أبراراً .. بل خطاة إلى التوبة!’’
(مر 17:2)

ــــــــ
 

 الدرس السادس والستون  | فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية