25

إذلال يوسـف

تكوين 37-39

أصدقائي المستمعين ..
نحييكم باسم الله ، رب السلام ، الذي يريد أن يفهم الجميع طريق البر الذي أسسه ، وأن يخضعوا لهذا الطريق ، فيكون لهم سلامٌ حقيقيٌّ معه إلى الأبد. يسعدنا أن نكون معكم مرة ثانية اليوم ، لنقدم لكم حلقة أخرى من برنامجكم ‘طريق البر’.

تعلمنا في حلقتنا السابقة، عن النبي يعقوب حفيد إبراهيم. ورأينا كيف أعطى الله يعقوب اسماً جديداً، هو إسرائيل. و‘‘يعقوب’’ تعني ‘‘المخادع’’، أما ‘‘إسرائيل’’ فتعني ‘‘الذي يملك ويحكم مع الله’’. وهكذا، صار ليعقوب اسمان، هما: يعقوب وإسرائيل. وإسرائيل هو أيضاً اسم الأمة الجديدة، التي وعد الله أن يجعلها من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب. وكان ليعقوب إثنا عشر ابناً. ومن هؤلاء الإثنى عشر، نشأ شعب إسرائيل، وهي الأمة التي سيأتي منها المخلِّص.

عزيزي المستمع ..
هل تعرف أسماء ابناء يعقوب الإثنى عشر؟ إنهم: رأوبين، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وزبولون، ويساكر، ودان، وجاد، وأشير، ونفتالي، ويوسف، وبنيامين. ونبدأ اليوم بقصة تأسر القلوب عن أبناء يعقوب، وبخاصة الابن الذي يدعى يوسف، وهو الابن الحادي عشر. والآن، دعونا ندرس قصة يوسف.

ولذلك، دعونا نقرأ في التوراة في سفر التكوين، والأصحاح السابع والثلاثين. يقول الكتاب:
‘‘هذه مواليد يعقوب. يوسف إذ كان ابن سبع عشرة سنةً، كان يرعى مع إخوته الغنم .. وأتى يوسف بنميمتهم الرديئةِ إلى أبيهم. وأما إسرائيل فأحب يوسف أكثر من سائر بنيه لأنه ابن شيخوخته. فصنع له قميصاً ملوناً. فلما رأى إخوته أن أباهم أحبه أكثر من جميع إخوته، أبغضوه ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلامٍ.

‘‘وحلم يوسف حلماً وأخبر إخوته. فازدادوا أيضاً بغضاً له. فقال لهم: اسمعوا هذا الحلم الذي حلمت. فها نحن حازمون حزماً في الحقل. وإذا حزمتي قامت وانتصبت، فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتي. فقال له إخوته: ألعلك تملك علينا ملكاً، أم تتسلط علينا تسلطاً. وازدادوا أيضاً بغضاً له من أجل أحلامه، ومن أجل كلامه. ثم حلم أيضاً حلماً آخر، وقصه على إخوته. فقال إني قد حلمت حلماً أيضاً، وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدة لي. وقصه على أبيه وعلى إخوته. فانتهره أبوه وقال له: ما هذا الحلم الذي حلمت؟ هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك إلى الأرض؟ فحسده إخوته. واما أبوه فحفظ الأمر.

‘‘ومضى إخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم. فقال اسرائيل ليوسف: أليس إخوتك يرعون عند شكيم. تعال فأرسلك إليهم. فقال له: هأنذا. فقال له: اذهب انظر سلامة إخوتك وسلامة الغنم، ورد لي خبراً.

‘‘فذهب يوسف وراء إخوته، فوجدهم في دوثان. فلما أبصروه من بعيدٍ قبلما اقترب إليهم، احتالوا له ليميتوه. فقال بعضهم لبعضٍ: هوذا هذا صاحب الأحلام قادمٌ. فالآن هلم نقتله، ونطرحه في إحدى الآبار، ونقول: وحشٌ ردئٌ أكله. فنرى ماذا تكون أحلامه. فسمع رأوبين، وأنقذه من أيديهم. وقال: لا نقتله. وقال لهم رأوبين: لا تسفكوا دماً، اطرحوه في هذه البئر التي في البرية، ولا تمدُّوا عليه يداً. قال ذلك لكي ينقذه من أيديهم، ليرده إلى أبيه.

‘‘فكان لما جاء يوسف إلى إخوته، أنهم خلعوا عن يوسف قميصه القميص الملون الذي عليه. وأخذوه وطرحوه في البئر. وأما البئر، فكانت فارغةً ليس فيها ماءٌ. ثم جلسوا ليأكلوا طعاماً. فرفعوا عيونهم ونظروا، وإذا قافلة إسماعيليين مقبلةً من جلعاد، وجمالهم حاملةٌ كثيراءَ وبلساناً ولاذناً، ذاهبين لينزلوا بها إلى مصر. فقال يهوذا لإخوته: ما الفائدة أن نقتل أخانا ونخفي دمه؟ تعالوا فنبيعه لللإسمعيليين، ولا تكن أيدينا عليه، لأنه أخونا ولحمنا. فسمع له إخوته. واجتاز رجالٌ مديانيون تجارٌ. فسحبوا يوسف، وأصعدوه من البئر، وباعوا يوسف للإسماعيليين بعشرين من الفضة. فأتوا بيوسف إلى مصرٍ.
‘‘ورجع رأوبين إلى البئر، وإذا يوسف ليس في البئر. فمزَّق ثيابه. ثم رجع إلى إخوته وقال: الولد ليس موجوداً؛ وأنا إلى أين أذهب.

‘‘فأخذوا قميص يوسف، وذبحوا تيساً من المعزى، وغمسوا القميص في الدم. وأرسلوا القميص الملون، وأحضروه إلى أبيهم. وقالوا وجدنا هذا. حقِّق، أقميص ابنك هو أم لا. فتحققه، وقال: قميص ابني؛ وحشٌ ردئٌ أكله؛ افترس يوسف افتراساً. فمزق يعقوب ثيابه، ووضع مسحاً على حقويه، وناح على ابنه أياماً كثيرةً. فقام جميع بنيه وجميع بناته ليعزوه. فأبى أن يتعزى، وقال لهم: إني أنزل إلى ابني نائحاً الى الهاوية. وبكى عليه أبوه.’’ (تك 2:37-35)

‘‘وأما يوسف، فأُنزِل إلى مصر، واشتراه فوطيفار، خصيُّ فرعون رئيس الشُّرَطِ، رجلٌ مصري، اشتراه من يد الإسماعيليين الذين أنزلوه إلى هناك. وكان الرب مع يوسف، فكان رجلاً ناجحاً. وكان في بيت سيده المصري.

‘‘ورأى سيده أن الرب معه، وأن كل ما يصنع كان الرب يُنجحُهً بيده. فوجد يوسف نعمةٌ في عينيه، وخَدَمَهُ. فوكَّله سيده على بيته، ودفع إلى يده ما كان له. وكان من حينَ وكَّله على بيته وعلى كل ما كان له، أن الرب بارك بيت المصري بسبب يوسف. وكانت بركة الرب على كل ما كان له في البيت وفي الحقل. فترك المصري كل ما كان له في يد يوسف. ولم يكن معه يعرف شيئاً إلا الخبز الذي يأكل. وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر.

‘‘وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينيها إلى يوسف، وقالت: اضطجع معي. فأبى وقال لامرأة سيده: هو ذا سيدي لا يعرف معي ما في البيت، وكل ما له قد دفعه إلى يدي. ليس هو في هذا البيت أعظم مني. ولم يمسك عني شيئاً غيرَكِ لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله. وكان إذ كلمت يوسف يوماً فيوماً، أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها.

‘‘ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن إنسانٌ من أهل البيت هناك في البيت. فأمسكته بثوبه قائلةً: اضطجع معي. فترك ثوبه في يدها، وهرب إلى خارجٍ. وكان لما رأت أنه ترك ثوبه في يدها وهرب إلى خارجٍ، أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلةً: انظروا، قد جاء إلينا برجلٍ عبرانيٍ ليداعبنا. دخل إليً ليضطجع معي، فصرخت بصوت عظيمٍ. وكان لما سمع أني رفعت صوتي وصرخت، أنه ترك ثوبه بجانبي، وهرب وخرج إلى خارجٍ.

‘‘فوضعت ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته. فكلمته بمثل هذا الكلام قائلةً: دخل إليَّ العبد العبراني، الذي جئت به إلينا، ليداعبني. وكان لما رفعت صوتي وصرختُ، أنه ترك ثوبه بجانبي وهرب إلى خارجٍ.

‘‘فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذي كلمته به قائلةً: ‘بحسب هذا الكلام صنع بي عبدك’، أن غضبه حميَ. فأخذ فوطيفار يوسف، ووضعه في السجن، في المكان الذي أسرى الملك محبوسين فيه. وكان هناك في بيت السجن.

‘‘ولكن الرب كان مع يوسف، وبسط إليه لطفاً، وجعل نعمةً له في عيني رئيس بيت السجن. فدفع رئيس بيت السجن إلى يد يوسف جميع الأسرى الذين في بيت السجن. وكل ما كانوا يعملون هناك، كان هو العامل. ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر شيئاً البته مما في يده؛ لأن الرب كان معه، ومهما صنع كان الرب ينجحه.’’ (تك 1:39-23)

وهكذا، تبدأ قصة يوسف ابن يعقوب. ويمكننا أن نلخِّص ما سمعناه اليوم في هذه العبارة: ‘‘لقد أحب يوسف البر، وكره الشر.’’ لقد فضل أن يعاني في السجن عن الاستمتاع بلذات الخطية الزائلة. ولهذا، فعندما دعته زوجة سيده أن يضطجع معها ويزني، أبى يوسف وأجابها قائلاً: ‘‘كيف أصنع هذا الشر العظيم، وأخطئ إلى الله’’.

فكان يوسف يعلم أن خدمة الله وخدمة الخطية لا يتفقان معاً. لقد سلم يوسف قلبه إلى الله. ولهذا، أحب البر وكره الشر. فعلى مثال جده الأكبر إبراهيم، آمن يوسف بوعد الله بشأن إرسال مخلِّص إلى العالم، ليموت عن خطية نسل آدم. لقد حسب الله يوسف باراً، لأنه آمن بكلمة الله. وبسبب إيمانه، غفر الله خطاياه، وملأ قلبه بالرغبة والقوة للانتصار على الخطية، وأن يحيا باراً في عالم شرير.

وسار الله مع يوسف، لأن يوسف سار معه. فلم يتمتع يوسف بالخطية، لأن قلبه كان مع الله. فمن يؤمن بالله ويعبده من كل قلبه، يحب ما يحبه الله، ويكره ما يكرهه الله. وهذا، هو ما تعلنه كلمة الله عندما تقول:
‘‘لايقدر أحد أن يخدم سيدين. لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر، أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر.’’ (متى 24:6)
‘‘لأنه أية خلطةٍ للبر والإثم؟ وأية شركةٍ للنور مع الظلمة؟’’ (2كو 14:6)
‘‘الله نور وليس فيه ظلمة البتة. إن قلنا إن لنا شركةً معه وسلكنا في الظلمةِ، نكذب ولسنا نعمل الحق.’’ (1يو5:1 ،6)

فالذين هم لله، يؤمنون بكلمته، ويسعون إلى طاعته. أما الذين هم ليسوا لله، فتسيطر عليهم الخطية. فقد يكون لهم الشكل الخارجي للدين، إلا أن الخطية تظل تسيطر على أفكارهم، ونوايا قلوبهم، وأقوالهم ، وأفعالهم. فربما يحاولون التغلب على الخطية، إلا أنهم يفشلون، لأن الخطية تكون أقوى منهم. إذ ليس لهم في قلوبهم قوة روح الله، التي يعطيها الله نفسه لكل الذين يؤمنون بكلمته، ويَقبلون طريق الخلاص الذي أسسه.

وأنت يا من تستمع إلينا اليوم، هل جدد الله قلبك بقوته؟ وهل قبلت خبره السار عن المخلِّص الذي له القوة أن يطهِّر قلبك من الخطية؟ أم أنك مازلت تعيش تحت سلطان الخطية؟ تقول كلمة الله:
‘‘اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم. نقُّوا أيديكم أيها الخطاة، وطهِّروا قلوبكم يا ذوي الرأيين .. واتضعوا قدام الرب فيرفعكم.’’ (يع 8:4)

أصدقائي المستمعين ..
نشكركم على حسن إصغائكم. وفي حلقتنا القادمة، بمشيئة الله، سنكمل قصة يوسف، ونرى كيف خرج من السجن، وارتفع، وتقلد منصب حاكم أرض مصر.

فليبارككم الله، وأنتم تتأملون في كلمته التي تقول:
‘‘الله نور وليس فيه ظلمة البتة. إن قلنا إن لنا شركةً معه وسلكنا في الظلمةِ، نكذب ولسنا نعمل الحق.’’ (1يو 5:1 ،6)
ــــــــــــ
 

الدرس السادس والعشرون| فهرس دراسات طريق البِرّ | المكتبة | الصفحة الرئيسية